الجمعة، 17 أبريل 2015

العلامة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي الشاهد الشهيد


العلامة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي الشاهد الشهيد.
بقلم الزبير حمادوش .
سلام عليك يوم ولدت وسلام عليك يوم استشهادك وسلام علي روحك الطاهرة في رحاب الله وبين يدي الملإ الأعلى تقدم لهم كتاب شهادتك على أمتك التي ظللت حريصا على تعليمها الدين القويم والمنهج السليم القائم على العقل والفهم والوعي وصفاء القلب والسريرة.
هذا كتابك يا شيخنا الجليل نحن في عالمنا الأرضي قرأناه على يدك قبل أن يقرأه الملأ الأعلى،قرأناه قراءة وتتبعنا سطوره سطرا سطرا وتدبرنا كلماته كلمة كلمة . ومن منا لم يحفظ الدعاء المؤثور الذي كنت تصدر به دروسك ومحاضراتك ومواعظك : اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل وأكرمنا بنور الفهم ،وافتح علينا بمعرفة العلم وزين أخلقنا بالحلم ".
 سلام عليك يا أستاذنا من مدينة سطيف التي زرتها أكثر من مرة وتعرفت على أهلها  وشاركتهم طعامهم وشرابهم .والتقيت بشبابها وحاورتهم وحاضرت بمساجدها ومؤسساتها الثقافية ، وحذرتهم من انتهاج نهج الوهابية التي بدأت تنشر أفكارها التدميرية لضرب وحدة المسلمين تحت عنوان العودة إلى السنة الصحيحة والسلف الصالح .
سلام عليك مني أنا كاتب هذه السطور الذي تتلمذ عليك وإن لم يحضر حلقات دروسك بمساجد دمشق ولكن بفضل تلاميذك الذين كانوا يدرسون  بمدارس سوريا ويحضرون دروسك . فقد كان يزودنا بالدروس التي كنت تقدمها بمساجد دمشق مسجلة على أشرطة كاسات .وكانت دروس العقيدة والسيرة النبوية الشريفة في مقدمة تلك الدروس التي تَتبَّعْتها سمعا درسا درسا وكنت أعيد تدوينها في كراسات خاصة  مازلت أحتفظ بها إلى اليوم
لقد كانت تلك الدروس المسجلة شرحا وافيا لكتابك في العقيدة الموسوم  "بكبري اليقينيات الكونية وجود الخالق ووظيفة المخلوق" الذي يعد من أهم الكتب الحديثة - بل إنه الكتاب الفريد- الذي يتناول العقيدة الأشعرية بأسلوب علمي حديث، ويضع القارئ عموما والدارس بصفة خاصة على أهم خصائص العقيدة الأشعرية خاصة في تناولها للقضايا الخلافية كمسألة خلق القرآن ،ومسألة التكفير،ومسائل الصفات والقضاء والقدر ومدى التداخل بينهما وبين الفعل الإنساني والإرادة الإنسانية ومسؤولية الإنسان في الحياة .ومواضيع أخرى حفل بها الكتاب تحتاج إلى بحث خاص.    
وكذلك كان الشأن في دروس السيرة المسجلة التي كانت كذلك شرحا مستفيضا لكتابك المميز في السيرة النبوية الشريفة ؛ فهو أولا: كتاب مدرسي بامتياز في الطريقة والأسلوب والمنهج انطلاقا من اختيار النص من سيرة ابن هشام ثم شرح النص والتعليق عليه بتحديد العبر والعظات والأحكام الشرعية المستفادة من النص.وثانيا : أنه حصل لك شرف السبق في تناول السيرة بهذه الطريقة المدرسية الحديثة التي جعلت مواضيع السيرة النبوية الشريفة بكل مراحلها في متناول كل طالب متخصص أو قارئ عادي . 
سلام عليك يا شيخنا من كل الذين التقيت بهم في مدينة سطيف،سنوات الثمانينيات  بمحافظة جبهة التحرير ،ونصحت لهم ووضعتهم على خطورة ما يراد بالإسلام والمسلمين من خلال اختراق وحدتهم باسم الإسلام وباسم السنة النبوية.
وحذرتهم من الدعوات التي تقلل من شأن المذاهب الإسلامية ،وتحاول أن تلصق بها كل أسباب تفرق المسلمين وضعفهم ، لتبرر لهم تجاوزها وتبني اللامذهبية مذهبا من خلال الأخذ مباشرة من كتب الحديث ،وهو ما تبناه محمد بن عبد الوهاب بإيحاء من شيخه الانجليزي"اللورد همفري" الذي استطاع أن يصنع لنا من إسلامنا خلطة سحرية تفرق بيننا حتى في صلاتنا التي لم يعد لها ذلك الانسجام البديع في وحدة الإشارات والحركات
التي يصنعها التزام المذهب الواحد كما كان الشأن في الجزائر وبلاد المغرب العربي في تبنيها للمذهب المالكي .
ثم انظر إلى خطر اللامذهبية على مستوى وحدة الشرعية الدينية في العالم الإسلامي التي انتزعت من مؤسساتها التقليدية المعروفة .وأصبح لكل بلد أو إمارة أو مدينة بل لكل جماعة شرعية خاصة يمثلها شيخ أو داعية أو مرشد أو إمام وما إلى ذلك هذا يفتي بردة الأمة كما عنون أحدهم كتابا له :" ردة لا أنا بكر لها "وهذا يفتي بتكفير حكام المسلمين قاطبة أو الحاكم الفلاني أو النظام الفلاني، وذاك يفتي بوجوب قلب نظام الدولة والآخر يعلن بالاستعانة بالعدو لقب نظام الحكم والآخر بنصب نفسه أمير المؤمنين ويعلن الجهاد في العالم كله وما إلى ذلك .
ثم انظر إلى المصير البائس الذي انتهت إليه الفتوى التي انفلتت من وحدة المذهب فباضت وفرخت لنا مفتين من كل لون وصنف  يبدعون الفتاوى إبداعا في كل صغيرة وكبيرة وكل جديد وقديم ؛ فتاوى عجيبة غربية فاضحة ووسخة ونتنة أحيانا؛ انظر فتاوى التكفير واستحلال دماء المسلمين واستباحة أموالهم وأعراضهم ،وفتوى رضاع الكبير ، وفتوى جواز إتيان الرجل لزوجته الميتة وفتوى جهاد المناكحة، وإحياء سنة السبي وما إلى ذلك.
كانت وحدة المذهب في البلاد الإسلامية ترسخ وحدة علماء الإسلام قبل عامتهم؛ فتجد العالم منهم تتعدد اجتهاداته التي يخالف فيها مذهبه أو المذاهب السائدة ولكنه حفاظا على وحدة المسلمين يعلن صراحة أنه على المذهب الذي ولد عليه أو السائد في  بلاده وينص على ذلك في التعريف بنفسه في مؤلفاته فيقول مثلا ابن رشد المالكي أو أبو حامد الغزالي الشافعي أو ابن تيمية الحنفي .
هذه بعض تداعيات اللامذهبية التي ابتدعتها الوهابية التي لا هدف لها إلا إفراغ الإسلام من كل محتوى ومن كل معنى ومن كل بصيرة وعقل ومن كل روحانية  ومن كل صدق ، ومن كل رحمة .
سلام عليك يا شيخنا الجليل يا من لم تكتف بتحذير الأمة من فتنة اللامذهبية من خلال المحاضرات والدروس والمقالات بل ألفت كتابا  تشرح فيه للأجيال مخاطر اللامذهبية عنونته ب" اللامذهبية أخطر بدعة تهدد الشريعة الإسلامية " وكتابك الثاني الموسوم ب "السلفية مرحلة زمنية مباركة وليست مذهبا إسلاميا . الذي كان إبراء للسلف الصالح من كل الدعاوى والضلالات  والافتراءات والجرائم التي مارسها وما زال يمارسها الأدعياء الأفاقين باسمهم .
  سلام عليك يوم فاضت روحك وصعدت إلى بارها بفعل عمل إرهابي حاقد ،بعدما أديت واجبك نحو الأمة ونحو وطنك سوريا وشعبها الأبي الذي تعرض ومازال يتعرض لأخبث وأمكر مؤامرة استهدف دولته وجيشه بل وجوده كآخر قلعة من قلاع العروبة والقومية العربية ومركز محور الممانعة في مواجهة المشروع الأمريكي الصهيوني الذي انهزم في 2006على يد المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله الذي لولا سوريا بجيشها وقيادتها ما كان له أن يكون .
نسأل الله تعالى أن يجعل من دمك الزكي الذي وشح أرض المسجد وجدرانه وأفرشته وازدانت به أوراق المصاحف طهارة لسوريا وسائر بلاد المسلمين من دنس الإرهاب والإرهابين .
 
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق