الجمعة، 17 أبريل 2015

شعار وطني منسلخ من هويته



شعار وطني منسلخ من هويته



         لست أدري لماذا وقع الجزائريون عامة وجماهير كرة القدم منهم خاصة على اختيار هتاف " وان تو ثري فيفا لا لجيري " ليكون شعارا لهم  وصوتهم المدوي في ملاعبهم  والمنطلق من فضائياتهم وقنواتهم الأرضية ومن ميكرفونات الإذاعات وعلى ألسنة الصغار والكبار والرجال والنساء في الشوارع والساحات والبيوت ، حتى السياسيين  أثناء الحملات الانتخابية يدفعون برفع هذا الشعار خلال إقامة مهرجاناتها وتجمعاتهم . لقد غدا العالم يعرف الجزائر من خلال الشعار" وان تو ثري فيفا لالجيري".
في يوم من الأيام بينما كنت أتنقل كعادتي بين القنوات الفضائية لعلي أجد ما يمكن مشاهدته دون ملل ،وقعت على برنامج رياضي يذكر الشعار "وان تو ثري فيفا لا لجيري"أنه شعار جزائري بامتياز مؤكدا أنه لم يعد شعار جماهير الكرة الجزائرية في الملاعب فقط بل أصبح شعار السياسيين في مهرجاناتهم الانتخابية والحفلات والأعراس .
 فقلت في نفسي : عجبا لهؤلاء الجزائريين شعار يعرفون به في كل بلدان العالم ؛ شعار أقل ما يقال فيه أنه منسلخ من جلدته شعار يهتف بحياة الجزائر بغير لغتها  وكأن الجزائريين لا لغة لهم !. وتذكرت حينها ما وقع للسيدة الفاضلة والروائية العظيمة أحلام مستغانمي حين قدمت نفسها في أحد الملتقيات أنها من الجزائر ،فانبرى أحد الحاضرين ليقول لها أنت من بلد الشاب خالد صاحب أغنية "دي دي واه" وسألها عن معنى " دي دي واه " . كانت الصدمة كبيرة ؛ كيف للجزائر التي كانت تعرف في العالم  ببلد الأمير عبد القادر ،وابن باديس وثورة المليون ونصف المليون شهيد والزعيم أحمد بن بله ،والقائد الثوري بومدين .وفجأة نسى العالم كل تلك القمم الشامخة في عوالم  الجهاد والمقاومة والثورة والإصلاح والعلم والمعرفة لتصبح الجزائر بلد الشاب خالد وأغنية "دي دي واه "التي إلى اليوم مازال العالم يسأل عن معناها.
لقد حاول البعض أن يعطي للشعار " وان تو ثري فيفا لا لجيري" بعدا تاريخيا يعود إلى مظاهرات الثامن من ماي 1945 حيث خرج الجزائريون مطالبين بحرية بلدهم من الاستعمار الفرنسي . واختاروا أن يسمعوا العالم مطلبهم  بلغاته الثلاث المعتمدة يومئذ في هيئة الأمم المتحدة وهي الانجليزية والإسبانية والفرنسية .
لكن إذا كان مبررا للجزائريين زمن الاستعمار أن يهتفوا بحياة الجزائر بغير لغتهم حتى يسمعهم العالم ، فما الداعي اليوم وقد أصبح لهم دولة حرة مستقلة ولهم دستور يؤكد على مقومات شخصيتهم وأن لغتهم الرسمية هي اللغة العربية والأمازيغية فما الداعي إلى الهتاف ب" وان تو ثري فيفا لالجيري " الشعار المسلوب الفاقد لأهم مقومات شخصيته ؟
 نعم لشعار" تحيا الجزائر" بلغته ،بمقومات شخصيته . ذلك الشعار الذي رفعه عاليا كل المقاومين والمجاهدين والمصلحين وشهداء 8 ماي 1954 وشهداء ومجاهدي ثورة التحرير وكان صيحة الشيخ عبد الحميد بن باديس في قصيدته الشهيرة شعب الجزائر مسلم بل آخر عهد منه إلى كل الجزائريين والعرب إلى يوم القيامة  :    
هَــذا لكُمْ عَـهْــدِي بِـهِ حَتَّى أوَسَّــدَ في الـتُّـرَبْ
                                     فَــإذَا هَلَكْتُ فَصَيْـحـتـي تَحيـَا الجَـزائـرُ وَ الْـعـرَبْ
فأين هذه الصيحة العظيمة والغالية " تحيا الجزائر والعرب من نعقات " وان تو ثري فيفا لا لجيزري" فالعظمة كل العظمة والنصر كل النصر والشموخ كل الشموخ لشعار " تحيا الجزائر والعرب" والمهانة كل المهانة والمذلة كل المذلة  لشعار سلخه المستلبون التبع من جلدته " وان تو ثري فيفا لا لجيري ".  


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق