الجمعة، 17 أبريل 2015

الشيخ القريشي رحمه الله

 علماء وشيوخ من زاوية ڤجال






الشيخ القريشي رحمه الله









 والده عمر بن القريشي بن المدني بن محمد بن القد يدي ولد سنة 1925 بدوار بن اذياب بالقرب من جبل يوسف .عرف اليتم وهو صغير حيث توفي والده وهو ابن عامين، فكفله عمه الشيخ الصحراوي ،وحرص على تربيته تربية صالحة فأودعه عند معلم القرآن بدوار بن اذياب الشيخ النواري عشاش فحفظ القرآن الكريم في سن العاشرة من عمره .وفي سنة 1942 انتقل إلى زاوية قجال ليتلقى أولى دروسه في الفقه والنحو من الشيخ  المختار بن الشيخ . وبعد عام من الدراسة توفي الشيخ المختار بن الشيخ رحمه الله .

وتوقفت الدراسة بالزاوية ، فالتحق الطالب القريشي مدني بمسجد المحطة (أبي ذر الغفاري حاليا ) بمدينة سطيف ودرس فيه سنتين على يد كل من الشيخ  البشير السيحمدي والشيخ رابح بن مدور والشيخ محمد عادل رحمهم الله جميعا وفي السنة الثالثة جاءت ثورة الثامن من ماي 1945 فتوقفت الدراسة بمسجد المحطة أيضا فعاد إلى بيته ،ومكث فيه إلى أن دعاه سيدي محمد الصديق  للقيام بتعليم القرآن والقيام بالصلوات الخمس بالزاوية خلفا للشيخ الأخضر الحسناوي الذي تقدمت به السن . فلبي الشيخ القريشي مدني النداء وباشر عمله كمعلم للقرآن الكريم فكان معلما حازما جادا في تعليم الطلبة وإكسابهم قوة الحفظ ومهارة التلاوة وإتقان الرسم القرآني.فتخرج على يده العديد من الطلبة الحافظين لكتاب الله بجدارة واستحقاق .

 لما أنهى الأستاذ الشيخ سيدي عبد الحميد دراسته بتونس ، وعاد إلى أرض الوطن ،جمع حوله عدة طلاب من نواحي مختلفة . وصار يعلمهم  .كان الشيخ القريشي أبرز هؤلاء الطلبة ،وكان أكثرهم رغبة واجتهادا في طلب العلم وبقدر ما كان حريصا على طلب العلم كان أكثر حرصا على القيام بدوره في تعليم القرآن ،فكان كما يذكر زملاؤه ينتهز فرصة الليل ،ليعوض الطلبة ما فاتهم في النهار ،من الإملاء أو التصحيح أو الترتيل ، فإذا فرغ من ذلك بادر إلى مراجعة دروسه التي أخذها عن الأستاذ الشيخ سيدي عبد الحميد .و قد بارك الله تعالى له في جهده فتفقه في الدين وبرع في النحو العربي فغدا حبر المنطقة في الفتوى ومرجع الناس في إبرام عقودهم الشرعية وحل مسائلهم الفقهية ، وإصلاح ذات بينهم ، أما في علوم البلاغة والنحو فكان سيدها بلا منازع ومرجع المتخصصين فيها قبل المتعلمين ، وقد قامت بينه وبين كل أفراد عائلتنا بدءا من شيوخها وانتهاء بأطفالها كل وشائج المحبة والثقة والاحترام والتقدير فصار الشيخ القريشي كأنه واحد من أفراد العائلة يرافق سيدي محمد الصديق والأستاذ سيدي عبد الحميد في الحل          و الترحال  و تعرف على العلماء و جالس الأعيان فأكسبه ذلك أدبا رفيعا و علما غزيرا ، ومن العلماء الذين تشرف بمعرفتهم إمام الحرمين محمد العربي التباني  و الشيخ البشير الإبراهيمي      و الشيخ المسعود بن سالم وغيرهم .

في بداية الثورة الكبرى تعاون مع الأستاذ الشيخ عبد الحميد في جمع الأسلحة و التبرعات لفائدة الثورة وفي سنة 1956 ترك التعليم بالزاوية و التحق بالعمل الثوري فعمل عضوا في لجنة بن ذياب  و ألقى عليه الاستعمار القبض يوم 17/03/1960 وقد تعرض للتعذيب الشديد أثناء استنطاقه ومكث في سجن العلمة خمسة أشهر ونصف الشهر.
وبسبب نشاطه في السجن وإلقائه الخطب التحريضية على المساجين نفي رفقة عدد يفوق ثلاثمائة سجين إلى معتقل "تيفشون " الذي كان يعج بالنشاطات السياسية والثقافية والتعليمية ،وقد وجد الشيخ القريشي الفرصة السانحة في هذا المعتقل لمراجعة معارفه الفقهية واللغوية واستكمال دراسته وتعميق مفاهيمه ووعيه ، وذلك من خلال حضور العديد من حلقات العلم التي كان يقوم بها علماء أجلاء حكم عليهم العدو بالسجن .
وفي السجن لم يلقوا سلاحهم وإنما  استبدلوا البندقية والرصاص بالقلم والكلمة ،لمواجهة عدو لا يقل ضراوة وفتكا بالإنسان من الاستعمار ألا وهو الجهل والأمية .نذكر من هؤلاء العلماء الشيخ امقران بن مالك الأمام والمدرس الآن بمسجد أبي ذر الغفاري بسطيف . و في يوم  15/01/1961 أطلق سراحه، فرجع إلى العمل الثوري من جديد بتاريخ 24/10/1961 كمسؤول بدوار بن ذياب وبعد الاستقلال عاد الشيخ القريشي رحمه الله من الجهاد بالسلاح إلى الجهاد بالقلم و من دحرالاستعمار إلى محو الجهل .
لقد اختار لنفسه طريق أستاذه لم يكن يومها يحجزه عن الارتقاء في المناصب ،وطلب الدنيا والجاه شيء. كانت الأبواب أمامه مفتوحة ليكون فلانا أو فلانا الذي يأمر فيطاع وتقدم له الولاءات ولكنه رحمه الله فضل أن يجمع حوله عددا من أبناء الاستقلال المتعطشين لطلب العلم والمعرفة بنفس المكان الذي كان يدرس فيه أستاذه الشيخ عبد الحميد ليعلن بذلك عن استئناف مسيرة العلم بقجال، و قد بارك الله تعالى في تلك المجموعة لتصبح في بداية السنة الدراسية 1963/1964 مدرسة كاملة تضم العديد من الأقسام يدرس فيها عشرات الطلاب وقد تخرجت على يده أجيال من المعلمين والأساتذة الذين أسهموا مساهمة كبيرة في مد المؤسسات التربوية النظامية بشباب قوي العزيمة رفيع الأخلاق ،عربي اللسان .مغرم بحب بلده ،استطاع أن يعمر المدرسة الجزائرية من لاشيء .لم تقف في وجهه وعور الشعاب ولا مسالك الجبال ،ولا قر الشتاء ولا جوع الأيام والليالي بل كان يقهر كل ذلك ليصل إلى المدرسة أينما كانت ويؤدي واجبه في تربية وتعليم أبناء وطنه المفدى ،هذا عدا فقدان المرجع والوسيلة التربوية التي كان يكابد الأسفار ويبذل من ماله الخاص لتوفيرها من أجل إعطاء تلامذته تعليما أفضل وأرقى.
 هذا الجيل الذي كان له الفضل في بعث أول مدرسة جزائرية وطنية عربية اللسان إسلامية التوجه من أستاذه ومعلمه ؟ إنه الشيخ القريشي وأمثاله من طلبة الزوايا ،ومدارس جمعية العلماء بالأمس . بعد تقاعد الشيخ الأستاذ القريشي مدني رحمه الله ،بقي على العهد الذي عرف به قائما بدوره في الدعوى والإرشاد والتعليم والفتوى والإصلاح بين الناس على أكمل وجه . 


من المعروف أن صلاة العيدين بقجال انقطعت منذ التحاق الأستاذ الشهيد عبد الحميد بالجبل وبعد الاستقلال كان أول من استأنفها الشيخ القريشي بالمصلى المعتاد. وكان أول من قام بإمامة صلاة الجمعة بمسجد قجال سنة 1981  ودرس فيه الفقه لعدة سنوات .وفي مدينة سطيف ساهم في تكوين الأئمة ومعلمي القرآن بمسجد عبد الحميد بن باديس ،وكان له دور كبير في إرساء قواعد المسجد القريب من بيته  ودرس فيه النحو للعديد من خريجي الجامعة الإسلامية والشباب الراغب في التعلم  هذا هو الأستاذ الشيخ القريشي ، عاش طول حياته عفيف اللسان، لا يرد الإساءة بمثلها أبدا ، يحب العلماء ويتأسى بهم ، يحفظ أقوالهم ويستشهد بها ، ويوقر الكبار  ويداعب الصغار ، يحب الدعابة ويروي النكتة  يعشق الشعر ويحفظ منه لكبار الشعراء من أمثال البحتري والمتنبي وأبي فرا س الحمداني وغيرهم كان يحب أستاذه الشيخ عبد الحميد ويجله كثيرا في أخريات أيامه زرته عدة مرات وكنت كلما سألته عنه سقطت دموعه وخنقته العبرات ولا يسترسل في الحديث عنه إلا بعد مدة يكفكف فيها دموعه . فيذكر خصاله،ويعدد مناقبه ويدعو الله قائلا :اللهم اجمعني به في جنة الشهداء .
في اليوم الثاني من شهر فيفري من سنة ألفين انتقل الشيخ القريشي مدني إلى رحمة الله ،تاركا وراءه أجيالا من طلبة العلم ورجال التربية والتعليم  ،كلهم يدعو له فمن لم يدع له بلسانه يدعو له بما علمه .












ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق