الجمعة، 17 أبريل 2015

الشيخ الخير رحال في ذمة الله



 الشيخ الخير رحال في ذمة الله
 
 



 
 " العلمـــاء ورثـــة الأنبيــاء "  حديث شريف
" لموت قبيلة أيسر عند الله من موت عالـم "  حديث شريف
"  إذا مات العالم ثـلم في الإسـلام ثـلمة لايـسدهـا إلا خلف منه " 
                                                            الإمـام عـليّ 
 
لقد فقد قجال و سطيف والعلمة وكل الذين تعرفوا عليه  رحمه الله من قريب أو بعيد فقدوا بوفاته عالما جليلا ، ورجل عقيدة ومعلم فقه ، وتقيا ورعا ،ومصلحا اجتماعيا .إنه الشيخ الخير رحال  - رحمه الله عرَّف نفسه في خاتمة مصحف نسخه بيده على طريقة الأقدمين بقوله :
تم على يد ناسخه العبد الفقير الحقير المقر بالعجز والتقصير الراجي رحمة ربه القدير؛الخير بن عيسى بن العربي بن العلمي . الإبراهيمي دارا ،الزايدي مولـدا ،الأشعري اعتقادا المالكي مذهبا الجنيدي طريقة .لطف الله به وغفــرلــه .
هكذا قدم الشيخ الخير رحال رحمه الله نفسه للناس بروحانية العابد المفتقر إلى ربه الغني الحميد .الراجي عفوه ومغفرته . وقد كانت تلك هي السمة التي طبعت حياة الشيخ الخير منذ فجر شبابه إلى أن توفاه الله .
لقد كتب الله له عمرا مديدا تجاوز القرن ببضع سنوات (1894-2002) نحسب أنه حقق من خلاله الخيرين العظيمن خيرية طول العمر وخيرية حسن العمل لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم :" خيركم من طال عمره وحسن عمله " .فلقد قضى عمره المديد خادما للعقيدة والفقه بكل جهد وإخلاص .
إن الشيخ الخير رحمه الله هو قطب من أقطاب مدرسة عريقة في الجهاد الثقافي من أجل بقاء هذه الأمة أمة عربية إسلامية على نهج القرآن الكريم وسنة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لقد أخذ شيخنا الجليل رحمه الله العلم من منابعه الصحيحة الصافية ؛من زاوية الشيخ الطيب قرقور (زاوية بن الكتفي) العارف بالله الفقيه الزاهد ،الصوام القوام ، التقي النقي المعطاء . الشيخ الطيب بن الكتفي هو  معلم  ومربي الشيخ الخير رحمهما الله هو معلمه الذي أحبه كل الحب وتشبع منه روح الإيمان والإخلاص لدينه وأمته ؛ حقا لقد أخذ الشيخ الخير عن شيخه علوم الفقه والعقيدة والعربية ولكن أكثر ما أخذ عنه الزهد والتقوى ، وخدمة الدين وبذل معارفه وعلومه لطلابه من أبناء الوطن بإخلاص وتفان . كم  كان الشيخ الخير -  رحمه الله يحدث طلبته وجلساءه عن شيخه؛ يحدثهم عن تقواه عن صلاحه وإخلاصه وحبه للعلم وبذله لطلابه وخدمة طلبة العلم تعليما وتهذيبا وإطعاما ومبيتا  ، حتى أنه كان يشتري لهم المصنفات التي يدرسون فيها .
كان الشيخ الخير -  رحمه الله يتحدث عن شيخه وكأنه يعايشه ويلاحق حركاته وسكناته ونطقه وصمته حتى لكأن من يستمع إليه يراه ؛ويواصل حديثه حتى تدمع عيناه ثم يقول :"إيه أولئك رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ومضوا إلى ربهم . ويدعوا قائلا : اللهم انفعنا ببركتهم واجمعنا بهم في مستقر رحمتك ."
لقد أخذ الشيخ الخير قبسا من إخلاص شيخه لله تعالى في تعليم أبناء موطنه أحكام الشريعة الإسلامية واللغة العربية ،فسخر كل حياته في ذلك السبيل لا يألوا جهدا ولا يدخر وسعا  ولم يطلب من وراء ذلك إلا رضا الله تعالى .ولقد رأى الشيخ الطيب قرقور في تلميذه الشيخ الخير أثر علمه فيه فأحبه كثيرا وقدمه على زملائه ،وكلفه بالتعليم في زاويته في حياته ،وأوصاه ببذل العلم إخلاصا لله تعالى .فحفظ الشيخ الخير الوصية وعمل بها وتحمل رسالته خادما للعقيدة والفقه لوجه الله فلم يطلب بعلمه وتعليمه وظيفة ولا أجرة ولا منصبا ولا شهرة ؛كان دائما المقصود الذي يقصده المريدون للتفقه في الدين ،فيسعى إليهم بنفسه و يعطيهم من علمه ؛فلا يبخل عليهم بشيء مما علمه الله تعالى ،ولا يطلب مقابل ذلك أجرة ولا راتبا فإن أعطي رضي وإن لم يعط لم يسأل .
هذا هو الشيخ الخير رحال -  رحمه الله كان يبذل علمه للمتعلمين والعوام على السواء ؛ وإني أعرف رجالا أميين جالسوه في حلقات الدرس فظهر عليهم أثر علمه في أحاديثهم  وسلوكهم هذا هو الشيخ الخير رحال رحمه الله لم يقف عطاؤه عند التعليم والتهذيب وإنما كان له عطاء آخر تجاوز الأفراد ليشمل الأمة ومستقبلها ،عطاء لله وللتاريخ ؛لقد بذل من فلذات كبده شابين من خيرة شباب الأمة ذكاء وصلاحا ،بذلهما في سبيل الله وتحريرا للوطن من ذل استعمار أطبق على الجزائر الغالية أكثر من قرن وثلث القرن ؛ لقد استشهد له شابان في ثورة نوفمبر 1954 هما الشهيدان : الطيب ومحمد-رحمهما الله  - فكان الشيخ الخير بهذا هو الباذل المعطاء بحق واستحق أن يسمى خير الباذلين .
هذا هو الشيخ الخير رحال  -  رحمه الله كان ابن مدرسة عريقة في الجهاد الثقافي التعليمي في بلادنا .مدرسة فقدنا بفقد شيوخها الكثير من قيم هذه الأمة ومبادئها ،فقدنا بفقدها المنعة النفسية والاجتماعية والصلابة في مواجهة الأعاصير و الخطوب .
إنها مدرسة الزوايا ،الزوايا التي كانت حصن الأمة المنيع الذي حفظ لها عقيدتها وشريعتها ولغتها العربية عبر الزمن .
إنها مدرسة الزوايا التي كانت ترفع عن الأمة أغلال الجهل وتزيح عن العيون غشا وات الضلال والكفر وتمدها  بمقومات شخصيتها ،وعناصر هويتها .وفيها يتكون رجال الأمة ومنها يتخرج علماؤها وأولياؤها الصالحون .
إنها مدرسة الزوايا التي لم يتخرج منها طلاب الدنيا بغير هدف  ولا جامعي الأموال بغير غاية ولا خزنة الذهب والدولار بغير إنفاق ، وإنما يتخرج منها طلاب الآخرة الذين يطلبون الآخرة بالدنيا ويسعون في الدنيا من أجل الآخرة .
إنها مدرسة الزوايا التي لم يتخرج منها يوما عبر تاريخها الطويل دعاة الفتنة في الدين ولا المتشدقون ،ولا المتفيقهون ، ولا دعاة تكفير المسلمين ،ولا المتعصبون ولا قتلة الأطفال  والنساء ولا أصحاب نظرية الاستحلال .وإنما يتخرج منها العلماء العاملون والدعاة الذين شعارهم دائما قول الله تعالى :" ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين". ويتخرج منها المصلحون الاجتماعيون الذين شعارهم قول الله تعالى "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت " .
إنها مدرسة الزوايا ،زوايا الرباط والمرابطة تلكم المدرسة التي تخرج منها الشيخ الخير رحالرحمه الله ومثَّلها طول حياته أصدق تمثيل ،سلوكا وعملا والتزاما ومعاملة . رحمه الله رحمة واسعة   


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق