الجمعة، 17 أبريل 2015

الشيخ سيدي محمد الصديق بن حمادوش


 علماء وشيوخ من زاوية ڤجال

 

الشيخ سيدي  محمد الصديق بن حمادوش





 


الشيخ سيدي  محمد الصديق

 العلامة الأديب المرابط في سبيل العلم والتعليم
 

محمد الصديق والنسب شهرا      بابن إدريس إن كنت سائــلا

ومسكنه قجال والمنشأ قل به      سلالة مجد نص عليها الأوائـل

                                                               الشاعر : دعاس الريفي 

الحديث عن الشيخ الصديق بن الشيخ الطاهرحمادوش  -رحمهما الله - هو حديث عن جيل من الجزائريين الذين حملهم القدر مسؤولية الجهاد الثقافي في ظروف غزو استعماري بغيض يريد محو أمة من الوجود وذلك باستئصال كل علاقة لها بماضيها بكل أركانه ومقوماته .فما أعظم ما حمل ذلك الجيل الذي وجد نفسه في مواجهة جبهات متعددة مفتوحة على مخاطر جسيمة ومهالك فضيعة و لا يمكن تأجيل المواجهة على جبهة دون الأخرى !لقد فتحت فرنسا الحرب على الجزائريين بالتقتيل والإبادة لمواجهة كل عمل مسلح ،وبالإذلال والقهر لكل مسالم أعزل وبالتجويع والتجهيل لكل مواطن شريف، وبالتهديم والدمار لكل معلم من معالم ديننا وحضارتنا وتاريخنا، وبالحصار لكل عمل تعليمي أو ديني.  إنها الحرب الشاملة التي فرضتها فرنسا على الجزائر والجزائريين .فما العمل وما الوسيلة ؟

لاشك أنه ما إن وعى الشيخ  الصديق ظروف البلاد الجديدة التي فرضتها السياسة  الاستعمارية حتى حدد لنفسه دوره في المواجهة ، وربما كان ذلك بتوجيه من أبيه أو بتوجيه ممن تتلمذ عليهم في زاوية قجال وفي قسنطينة وزاوية الشيخ الحداد وغيرها  ، خاصة شيخه سيدي محمد بن عبد الكريم  السلامي الجامع بين الحقيقة والشريعة الذي كان أحد أقطاب الطريقة الرحمانية المجاهدة والذي أجازه للتدريس والفتوى  (17)                                                                 

فلئن سلبت الأمة وطنها يجب أن لا تسلب دينها ولغتها ولذلك فإن عليه أن يتخندق في جبهة الجهاد الثقافي التعليمي الذي يحفظ للأمة قرآنها وشريعتها ولغتها تحصينا لها من الذوبان والاضمحلال إلى أن يأتي الله بثورة تعيد الوطن لأهله لقد انخرط والده في الجهاد المسلح ، وانجر على ذلك مصادرة الاستعمار  لأملاكه  الخاصة من الأرض .التي كانت تقدر بمائة وستين هكتارا ، لم يبق منها إلا أربعون هكتارا (18)                      
أما الأملاك الوقفية للزاوية التي سبق ذكرها فقد صودرت من قبل بموجب القانون الذي أصدرته السلطات الاستعمارية،والذي يقضي بتحويل كل الأملاك الوقفية في  الجزائر إلى  "الدومان". وبلغ الحصار الاستعماري مداه بالهيمنة على المساجد والزوايا التي ينبغي أن لاتتحرك إلا في الإطار الذي يخدم مصالح الاستعمار وأهدافه .لم ينظر الشيخ سيدي الصديق إلى الأمر الواقع من موقع اليائس الذي عليه  أن يلقي السلاح و ينكفئ على نفسه وإنما كان يسأل نفسه ماهو الممكن عمله في ظروف كهذه؟ من هنا كانت قناعته بالنهج الذي عليه أن يسلكه غير مبال بما يمكن أن يثار حوله من شبهات جراء مخالفته لنهج أبيه الذي لم يهادن الاستعمار.فكان أول عمل قام به ،أن سعى للحصول على ترخيص (19) من المجلس العلمي بسطيف الذي أقامته الحكومة الفرنسية بظاهر تنظيم وضبط العمل في المؤسسات الدينية والإشراف على المساجد والذي كان القصد منه وضع يدها على المساجد والزوايا حتى لا يقدم فيها مالا ترضى عنه أو لا يخدم سياستها في البلاد .
واستأنفت الزاوية العتيدة رسالتها العلمية من جديد ، وباشر الشيخ سيدي الصديق العمل فيها بنفسه وكان عمره إذاك لا يتجاوز الثالثة والعشرين سنة  وتوافد على الزاوية طلبة العلم ، وحفظة القرآن الكريم من كل صوب وحدب ، كان ينفق على الطلبة من ماله الخاص ، فلم يكن يقبل من الناس الصدقات ولا أموال الزكاة ولا التبرعات ؛روى لي الشيخ محمد خلفي بن الشيخ بوزيد: أنه في نهاية أحد مواسم الحصاد جاء طالب من الطلبة للشيخ  الصديق  بحقه في العشور، فغضب الشيخ الصديق وقال للطالب هل طلبت منك الصدقة ؟ أو علمت أنني أحد  الأصناف الذين يستحقون  الزكاة ؟ثم أمره يرد ماأتى به من العشور ( العشر من زكاة الحبوب) ولما توسعت نفقات الزاوية حاول الشيخ الصديق أن يستعيد بعضا من أراضيه المصادرة من قبل الإدارة الاستعمارية فراسل كلا من نائب عامل العمالة بسطيف ، والحاكم العام بالجزائر طالبا استعادة أرضه الفلاحية .
ومن خلال قراءة هاتين الرسالتين (20) نتبين أولا: أن الشيخ الصديق اشتغل بالإضافة إلى  التدريس في الزاوية قاضيا للشريعة الإسلامية في محكمة سطيف من سنة 1862م إلى سنة 1882م. وثانيا أن أرضه المصادرة كان بعضها بيد الفرنسيين والبعض الآخر بيد القايد. وثالثا أن عدد طلبة التعليم بالزاوية كان خمسة عشر طالبا ، وكثير من حفظة القرآن الكريم .
وقد أثمرت جهود الشيخ الصديق رحمه الله ، فتخرج علي يده ما يقرب من أربعين طالب علم (حسب رواية حفيده الشيخ عبد الرحمن ) نذكر منهم :
 الشيخ الطيب قرقور الملقب بالشيخ بن الكتفي - والشيخ المنور مليزي –والشيخ المختاربن الشيخ- والشيخ أحمد الشريف بن الشيخ   - والشيخ أحمد بن حافظ- والشيخ المختار بن حافظ- والشيخ عبد الرحمن رحماني - والشيخ بن الحامدي - والشيخ موسى بن مروشوالشيخ الميهوب بن إدريس – والشيخ الأخضر بن إدريس - وغيرهم وقد كان لهؤلاء الشيوخ بعد تخرجهم دور كبير في نشر الثقافة العربية والعلوم  الفقهية بين أبناء الوطن الذين حرموا طويلا من تعلم لغتهم ومعرفة دينهم.
 
فضائل الشيخ الصديق
 
تميز الشيخ الصديق -رحمه الله - بشخصية ذات ورع شديد، وتقى منقطع النظير، ورجاحة في العقل،وعمل دؤوب، وحذر من مضلات الفتن ومعرفة بالناس ،وزاده الله إلى ذلك غزارة في العلم ونورا في الفهم وزينة في الخلق ورأفة في القلب .

كان الشيخ الصديق معظما لشعائر الله ،ملتزما حدوده ، ملتزما بالسنة متورعا عن الشبهات روى أكثر من واحد أنه كان يرفض رفضا قاطعا ما ينتشر في بعض الزوايا من جلسات  الحضرة ، كما كان ينكر على الذين يعلنون في الناس  الكرمات –التي يكرم الله بها بعض عباده الصالحين- لاستمالة قلوب العامة  والبسطاء منهم . وكان يتقدم الفلاحين  الذين يكلفهم بفلاحة أرضه ويشاركهم في العمل فإذا حضرت الصلاة أوقف العمل وأقام الصلاة  تعظيما لعماد الدين وركنه الركين  التي من أقامها أقام الدين كله ومن تركها ترك الدين كله .                                                     
وكان شديد الحذر من الفتن، يفر منها ومن أ هلها فراره من الأسد الضاري . وقعت فتنة بين عرشين أشعلتها أيادي فرنسا الخفية، وحاولت أطراف من الفريقين أن تزج به في الصراع،  فرحل عن قرية قجال مع عائلته نائيا بنفسه عن الصراع .وتوجه إلى أرضه بأولاد صابر المسماة "بوغنجة" حيث نصب هناك خيمة وأقام بها، فلما انتهت الفتنة عاد إلى قجال .
وكان الشيخ الصديق رحمه الله وطيب ثراه عالما زاهدا يحمل بين جوانحه روحا مؤمنة قوية الصلة بالله تعالى عظيم الثقة به ،ونفسا شاعرية عميقة الإحساس بالعناية الإلهية واللطف الإلهي . اسمعه وهو يقول في قصيدة  له مستوحاة من أحاديث قدسية عنوانها :                                             
                             
جل الله ربي
 
يقول  جل   الله       ربي :           أنا المقصود لا تطلب سواي
تجدني أين  تطلبني    عبدي            وإن تطلب سواي  لا تجدني
تجدني في سواد الليل عبدي            قريبا  منك  فاطلبني  تجدني
تجدني في سجودك لي قريبا             كثير  الخير  فاطلبني   تجدني
تجدني حين تدعوني  مجيبا
أنا  الحنان  فاطلبني  تجدني
تجدني   غافرا  برا     رؤوفا            عظيم العفو فاطلبي   تجدني
تجدني  مستغاثا   بي ، مغييثا            أنا   الوهاب  فاطلبني تجدني
أتذكر   ليلة  ناديت    فيها            ألم   أسمعك   فاطلبني تجدني
وقد برزتني  بالذنب   جهرا            فلم أكشفك  فاطلبني  تجدني
وكم   قد رام  ضرك من عدو
فلم   أخذ لك  فاطلبني تجدني
              
إذا  اللهفان ناداني   كظيما             أقل   لبيك    فاطلبني تجدني
إذا المضطر  قال : ألا  تراني            نظرت  إليه    فاطلبني تجدني
وأية  عثرة  لك    لم  أقلها            فلم نضررك    فاطلبني تجدني
إذا عبدي  عصاني  لم يجدني           سريع  الأخذ ، فاطلبني تجدني

وتبرز هذه الروح الصوفية في شيخنا  أكثر في مأثوراته التي تفوح كلماتها بالمحبة الإلهية العميقة والإخلاص لله خطرة القلب ،وفلتة اللسان، ولحظ البصر وهو  يناجي ربه
سبحانك لا إله إلا أنت ،
ياحي  يا قيوم يارب
أسألك   باسمك  يا جليل ، يا جميل،  يا وكيل
يا كفيل، يا عزيز ، يا لطيف، يا مالك ،  يا منير
سبحانك لا إله إلا  أنت
ياحي   يا قيوم     يارب
يا من ذكره شرف للذاكرين ، يا من شكره قوت للشاكرين . يا من حمده  عز للحامدين يا من  طاعته نجاة  للمطيعين .يا من بابه  مفتوح  للطالبين . يا من  سبيله واضح للمذنبين يا من  آياته برهان  للناظرين  ،يا من  كتابه تذكرة للمؤمنين  يا من رزقه عميم للخلق أجمعين ،يا من رحمته قريب من المحسنين.
سبحانك لا إله إلا أنت
ياحي  يا قيوم    يارب
اللهم حط عنا أوزارنا و شفع فينا أخيارنا ، و كثر على الخير أعواننا، ولا تهتك بالبلاء أستارنا ، و لا تبد أخيارنا ، و لا تخل من ذكرك ديارنا  و اجعل ذكرك ثأرنا وشعارنا وكف عنا أشرارنا  و رخص أسعارنا، ولا تمنعنا في وقت الحاجة إليها أوطارنا وأقل بفضلك عثارنا،ومتع بالعافية أسماعنا وأبصارنا ، و لاتكشف أسرارنا  و اهلك بسيف انتقامك كفارنا ، و ارحم بفضلك صغارنا وكبارنا ، وأمن أرضنا وديارنا و بلغ من الدنيا والآخرة أوطارنا ،و اجعل في طاعتك سرنا وجهرنا واقطع بعبادتك وطاعتك أعمارنا (25).
ولم تؤثر هذه الروح الصوفية عند الشيخ سيدي الصديق رحمه الله سلبا على حياته فتصرفه عن أعماله الدنيوية ونشاطاته الاجتماعية ،أو تدفعه إلى التواكل والانعزال ،بل كان يمارس حياته العملية بنفسه دون الإخلال بنشاط على حساب الآخر ؛فهو المعلم في المسجد وهو الفلاح في الحقل مع الفلاحين وهو المتسوق في السوق لاقتناء حاجاته وهو الإنسان المتواضع للناس الساعي في قضاء حاجة المحتاج والتنفيس عن المكروب وإصلاح ذات البين . وقد حفظ عنه أحفاده قوله  :" كن مع الله صادقا مخلصا له الدين ، وكن مع عباده متواضعا مداريا."

-الشيخ سيدي الصديق في ذمة الله:
 
حج الشيخ الصديق رفقة كل من تلميذيه الشيخ المختار بن الشيخ والشيخ عبد الرحمن رحماني  وقد ألم به أثناء أدائه لفريضة الحج مرض خطير، ظل معه حتى رجع إلى أرض الوطن. فلم يلبث طويلا حتى انتقل إلى رحمة الله تعالى .
كان لقب الشيخ سيدي الصديق  العائلي بن إدريس (26)  ونظرا لظروف خاصة غير لقبه بابن احمد وش نسبة إلى جده الرابع سيدي أحمد الذي فرت به أمه  إلى أخواله( عائلة  بزمورة)  خوفا عليه بعد أن تعرض والده وأعمامه إلى القتل بالسم  .فلقبه أخواله باحمدوش  تصغيرا لاسمه الحقيقي أحمد . فاشتغل عند أخواله  برعي الأغنام .فلما كبر واستقرت الأوضاع عاد إلى قجال ليستأنف المسيرة المباركة مسيرة العلم والتعليم والدعوة والإرشاد ،وكان على ما ذكر لنا أجدادنا رجلا صالحا مباركا مستجاب الدعاء .   
ولد الشيخ سيدي الصديق سنة 1834م (27) . وتوفي في اليوم الخامس من شهر سبتمبر سنة 1893م .وقد ترك من البنين ولدا واحدا هو الشيخ الطيب،وبنتين هما زينب ومسعودة .




 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق