الجمعة، 17 أبريل 2015

في سبيل إحياء ذاكرة المكان / نادي الإرشاد بمدينة سطيف / مكتب الحركة الوطنية "حزب الشعب"وناديها.


في سبيل إحياء ذاكرة المكان
 
 
"إنكم مسئولون حتى الأماكن والبهائم "
نهج البلاغة .
 
             مسؤولية الإنسان عن الأماكن سواء كانت ذات أبعاد دينية مقدسة  أو أبعاد تاريخية أثرية أو ثقافية أو سياسية مازالت تؤكد عليها رسالات السماء كما يؤكد عليها العلماء والمؤرخون ورجال الفكر والسياسة والمؤسسات والهيئات الوطنية والدولية التي تهتم بالآثار وتثمن كل مجهود يخدم هذا الإرث البشري الرائع والزاخر الذي يختزن ذاكرة الشعوب وحضارتها وأفكارها وعاداتها وسياساتها وأعمالها بل إن القرآن يؤكد في العديد من الآيات التي يسوقها لأولي النهى الذين يعقلون ويفكرون ويدرسون على أن الآثار هي الشاهد الأكبر على الوجود الإنساني وعلى أعمال الإنسان ويدعو إلى المحافظة عليها ودراستها والنظر فيها ومحاولة القيام بعملية استحياء لتجارب تلك الأمم والشعوب وكيف كانت  تفكر وتتعلم وتعمل وتصنع وتحكم وتحارب وأسباب قيامها كدول وأمم  وحضارات ومدنيات وأسباب سقوطها وفنائها .كل ذلك من خلال عمليات البحث والحفر والتنقيب عن الآثار في مواقع التواجد البشري.
من هنا جاءت الفكرة لأخذ صور لبعض الأماكن في مدينة سطيف التي مازالت  تحتفظ ببعض الذكرى للحركة الوطنية وجمعية العلماء المسلمين والجمعيات الخيرية التي كان لها دور كبير في نشر الوعي الثقافي والديني والسياسي وإيقاظ الحس الوطني والثوري لدى الجزائريين في النصف الأول من القرن العشرين.الأمر الذي هيأ بقوة لثورة التحرير في أول نوفمبر 1954م.      
إن هذه الأماكن التي سوف نتحدث عنها  وإن كانت مازالت أحداثها حديثة قربية العهد ،فلم تدخل بعد في دائرة الآثار.فالكتابة عليها وتسجيل ما أمكن من الوقائع والأحداث التي ارتبطت به والشخوص التي صنعتها تغدو الحاجة إليها  ضرورية وواجبة خاصة في ظل هيمنة ثقافة النسيان بدل التذكر وثقافة المحو بدل التسجيل هذا إذا لم نقل ثقافة الهدم بدل البناء والقتل بدل الإحياء انظر إلينا كيف أصبحنا نتعامل مع الآثار؟ كيف نحاول هدم تماثيل عظمائنا وهدم أضرحة شيوخنا وأوليائنا ؟.
في الجزائر أثناء التسعينيات كان تمثال الأمير بالجزائر مشروعا للهدم واليوم وفي ظل حكم الإخوان بمصر تم قطع رأس تمثال طه حسين وتمثال أم كلثوم بمصر وتمثال المعري بسورية والقائمة مفتوحة على كل التماثيل في العالم العربي والإسلامي أما في الحجاز حيث دولة آل سعود فقد هدمت الوهابية كل الآثار حتى فكروا في هدم ضريح الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. نشرت جريدة الأخبار اللبنانية في عددها الصادر بتاريخ 22/12/2012 أن مكة وحدها خسرت 95ٍ% من تراثها ومعالمها الأثرية بحسب " مركز الخليج للدراسات " أما في المدينة فالخطب كارثي ؛ فأين معالم تلك  المدينة التي شهدت ولادة دولة الإسلام وحضارته؟ أين آثر الأوليين ومساكن الصحب الكرام ؟ أين موقع السقيفة التي شهدت ولادة الدولة الثانية في الإسلام دولة الخلفاء الراشدين بعد دولة النبوة .أين مقبرة البقيع التي يقال أنها تضم رفات أكثر من سبعين ألف صحابي ؟.
مع الأسف فإن ما يفعله كثير من المسلمين من إهمال  بل وتدمير لآثارهم سواء كان عن قصد أو غير قصد في أوطانهم خاصة وفي البقاع المقدسة كمكة والمدينة لا يقل عما يفعله الكيان الصهيوني بآثار المسلمين في القدس وفلسطين .
إن إهمال الأماكن أو البنايات وحتى الحجارة والأواني والأدوات والقطع النقدية  ذات الطابع التاريخي مهما كان انتماؤها لا ينبغي أن يكون. لأنك وأنت تحافظ على هذا الأثر التاريخي سواء  كان ماديا أو معنويا فإنما تحافظ على تاريخك في حالة القوة أو في حالة الضعف  فهو شاهد لك أو عليك ؛ هو شاهد لك إذا كان أثرا من آثار حضارتك وتاريخك وأمجادك . أما إذا كان أثر لحضارة أخرى أو أثرا لعدوك الذي اعتدي عليك يوما فما أحوجك أن تحافظ عليه حتى لا تنسى أنه استعمرك وانه حاول إبادتك وإنه يمكن أن يعيد الكرة إذا استطاع كما أنه من خلال المحافظة على هذا الأثر التاريخي تتمكن الأجيال التي بعدك من قراءة تجربتك في الحياة وما اكتنفها من ذكريات جملية وزاهية وأخرى مؤلمة ومحزنة.
كثيرة هي الأماكن التي كان يمكن أن تتحول إلى متاحف واقعية تحمل لأجيال المستقبل شهادة حية  على جرائم فرنسا في الجزائر. ولكن مع الأسف هدمتها يد الجهل بالتاريخ والذاكرة؛ أذكر في هذا الشأن الثكنة العسكرية الاستعمارية في بلدة" راس الماء" التي كانت تسمى "برقنوس " فكم شهدت تلك الثكنة المشئومة من جرائم ارتكبها عساكر" اليوطنة بونواظر" في حق المواطنين، وكم من آلام وصرخات وتوجعات وآهات لمواطنين عزل أُخذوا من بيوتهم ليلا وعلى حين غرة لتسلط عليهم كل صنوف العذاب .
أما الثكنة العسكرية الاستعمارية في مدينة سطيف التي حولها "خليفة بن جديد" إلى حديقة للتسلية سنوات الثمانينيات فما زلت أتذكر يوم زرناها لأول مرة إبان الاستقلال. تلك المشاهد المروعة لآثار الدماء التي التصقت على جدران غرف التعذيب  وأدوات التعذيب المختلفة الأصناف
لقد كان يمكن المحافظة عليها لتكون شهادة حية على جرائم فرنسا الاستعمارية يشاهدها أبناؤنا وأحفادنا جيلا بعد جيل.
ماذا لو عاد الشهداء هذا الأسبوع على حد تعبير روائينا الكبير الطاهر وطار رحمه الله . وسألوا أين آثارنا التي كتبناها بعذاباتنا وآلامنا وبدمائنا وصرخاتنا وتكسير عظامنا أين هي ؟.
على كل حال ما فات قد فات وجاء اليوم وقد التفت مسئولو الثقافة في بلادنا إلى الاهتمام بالآثار،فشيدت المتاحف وأقيمت المهرجانات السنوية في كل مدينة من أجل نشر الوعي بأهمية الآثار والبحث عنها والمحافظة عليها ،فإن ما ينبغي التنبيه إليه في شأن الآثار عموما هو خطر الدعوات الوهابية السلفية  التي ترى أن أي اهتمام بالآثار خاصة ما كان منها ماديا كالأبنية والأماكن والتماثيل التي تخلد شهداءنا وعظماءنا هو شرك ينبغي محاربته ، وإزالة كل آثاره من على وجه الأرض.
إن المواجهة هنا تفرض التفكير العميق في حل مشكلتنا الكبرى مع مفاهيم تراثية دينية وثقافية واجتماعية وحتى لغوية ينبغي أن يعاد صياغتها  مثلا  قضية الشرك الذي مازال الوهابيون والسلفيون  يتحدثون عنه وكأننا مازلنا نعيش جاهلية العرب الأولي  وكأن الشرك مازال حيا في أفكارنا وثقافتنا وسلوكياتنا وعباداتنا مع أنه في حقيقة الأمر لم يعد للشرك وجود منذ بسط التوحيد فكرته في عقول وأفكار ومشاعر ووجدان وسلوكيات وأخلاقيات المسلمين وفي كل مناحي حياتهم
فالشرك عند العرب قبل الإسلام كان نظام حياة متكاملا في ثقافتهم وشعرهم الذي كان يعبر عن فلسفتهم في الحياة وكل طقوسهم وعاداتهم وتقاليدهم وتجارتهم ولذلك كان رفضهم لكلمة التوحيد " لا إله إلا الله " بتلك الحدة والشراسة والعنف،واستعمال كل وسائل الحرب لأنه استهدف تقويض أركان الشرك من  جذوره في العقول  والمشاعر وحياة العرب بكل تفاصيلها بل العالم كله وقد فعل و أزال كل ما له صلة بالشرك من أفكار ومعاني ومفاهيم وصيغ لغوية ودلالات وإيحاءات ورموز.وقد أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك في حجة الوداع حين قال :" إن الشيطان قد يئس من أن يبعد في بلدكم هذا ولكنه رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحتقرون من أعمالكم .." فالشيطان لم يعد له بعد الإسلام من تواجد أو نفوذ أو سلطة على عقول المسلمين وإيمانهم وعقائدهم ولم يبق له إلا أن يوسوس في الصلاة أو يسوِّف لبعض الغافلين أعمالهم .
 فهل بعد هذا يبقى لمسلم أن يتهم مسلما - نطق بكلمة التوحيد التي تنفي كلمة الشرك كله والكفر كله- أن يتهمه بالشرك بمجرد أن وقف عند ضريح الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أو قبر صحابي جليل أو عالم  أو رجل صالح يعتبر أو يدعو أو يستعرض سيرته .أو يتمنى أن يراه من خلال رؤية منامية يحدثه فيها أو يرشده إلى طريقة تفرج عنه كربة من الكرب أو ينصحه أو يحل له مشكلة نحوية أو لغوية كما يروى قدماؤنا في بعض رؤاهم .
أعتقد أنه لابد من مراجعة شاملة لموقفنا من الآثار. ولابد لمناهج التربية المدرسية أن تعتني بهذا الجانب فنربي أبنائنا منذ صغرهم على تثمين الآثار والمحافظة عليها من خلال تعويدهم منذ صغرهم على المحافظة  على أشيائهم على صورهم على كراريسهم الأولى على انتاجاتهم الكتابية والفكرية منذ سنواتهم الأولى وحتى تخرجهم.التي ستغدو بعد ذهاب العمر من أجمل الآثار والذكريات .
   
  



 نادي الإرشاد بمدينة سطيف
 


صور للبناية التي كان بها نادي الإرشاد

انظر إلى هذه الصورة كلنا نعرف هذه البناية نمر عليها مصبحين وممسين  هي تقع في شارع الثامن من ماي 1945 بالقرب من ثانوية محمد قيرواني ويقابلها بنك القرض الفلاحي، ونادي الضباط .
كان الطابق الأرضي لهذه البناية فيما مضى عبارة عن مقهى تسمى مقهى النادي .
وربما لا يدري الكثير من الناس أن سر إطلاق اسم النادي يعود إلى الثلاثينيات من القرن الماضي وبالضبط يوم الاثنين 21فيفري 1936الموافق ل28 ذي القعدة 1354هـ  حيث نشرت جريدة البصائر لسان حال جمعية العلماء المسلمين في عددها الثامن من سنتها الأولى في صفحتها السابعة خبرا ننقل لكم فيما يلي صورته ونصه لمن أراد أن يطلع أو يقرأ تفاصيل حفل افتتاح نادي الإرشاد من أجل استعادة ذاكرة كانت يوما تغشل الساحة الثقافية في الجزائر وفي سطيف خاصة من خلال رجال وشخصيات وعلماء وساسة ، ويكفينا شرفا أن نتمثل حضور الشيخ الإمام عبد الحميد بن باديس وإشرافه شخصيا على افتتاح هذا النادي المسمى نادي الإرشاد . كما يمكن للقراء أن يتعرفوا على الأعضاء الناشطين في جمعية النادي والقائمين على شؤونها .

صورة للخبر الذي نشرته جريدة البصائر.

افتتاح نادي الإرشاد ببلدة سطيف:
جاءنا من مراسلينا الخاص بسطيف،أنه منذ تأسست بها[الجمعية الخيرية] فجمعية [ السعادة ] لإحياء فن التمثيل العربي سعى رجال الجد والعمل في تأسيس [جمعية الإرشاد ] للأخذ بيد الأمة إلى ما فيه صلاحها ،وقد بدأت أعمالها بتأسيس ناد ليكون مركزا لحركتها وجلبت له محاضرا هو الشيخ
[ عمر البسكري] وفي يوم الأحد الماضي كان الافتتاح الرسمي لهذا النادي بمهرجان عظيم لم تر البلاد نظيره حيث استدعى رجال النادي [نادي الإرشاد] زعماء الأمة وممثليها من علماء ونواب وأعيان.
كما استدعوا رجال الحكومة بتلك الناحية فلبى الدعوة من حضر منهم واعتذر من تخلف عن الحضور.
وكان من الذين حضروا حفلة الافتتاح الشيخ (عبد الحميد بن باديس) رئيس جمعية العلماء المسلمين وبمعيته تلميذاه الفاضلان الشيخ
(الفضيل الورثلاني) والشيخ (يونس)وحضر معهم الشيخ(أبوصالح) الإمام والمدرس ببلدة شاطودان( شلغوم العيد) وحضر من رجال الحكومة الجنرال ورئيس جمعية شباب التجنيد والسيد( ماصلو) شيخ بلدية سطيف ونائباه الأول والثاني،وشيخ بلدية ( الشعيبة) وشيخ مدينة ( اوريسية) ومدير الكلية الفرنساوية وغيرهم .
وقد خرج أهل البلدة في عدد يربو على الأربعة آلاف إلى ضواحي المدينة لمقابلة الأضياف الواردين من الخارج والوفود الكريمة .
وكان استقبال ومشهد يبعث في النفوس الغبطة والسرور ويملأ العيون بالبهجة والحبور،وتناول المدعوون طعام الفطور عند كل من السيد الحكيم بومعزة علي،والسيد فرحات عباس الصيدلي النائب المحبوب،والسيد عيسى العطار.
وعلى الساعة الثالثة اكتظت قاعة النادي وساحته ورحابه بالوافدين لحضور حفلة الافتتاح ،وما فرغوا من تناول الشاي وما لذ من الحلويات والمرطبات حتى قام رئيس النادي السيد فرحات عباس وألقى خطابا رحب فيه بالحاضرين وأثني على السادة الوافدين من الخارج والملبين للدعوة على الخصوص.
وبعده قام الأستاذ الشيخ عبد الحميد بن باديس فألقى خطابا يكفي في وصفه أن نقول أنه خطاب ابن باديس.. وعلى إثره قام السيد ما صلو رئيس بلدة سطيف  فألقى خطابا كان له الوقع الحسن في نفوس الجميع .
وعلى الساعة الخامسة انفض الجمع لتأدية صلاة المغرب على نية العودة على الساعة الثامنة ونصف ،وفي هذه الفسحة تناول الوافدون طعام العشاء عند كل من السادة:(امعيزة ، وعباس ، وعيسى بن العطار، وبن روبة القائد سليمان) وفي الوقت المعين رجع الكل إلى النادي وعلا منصة الخطابة الأستاذ الشيخ عبد الحميد بن باديس وإلى جنبه محاضر النادي الشيخ عمر البسكري الذي ألقى محاضرته المعتادة ،وبعد تمامها عقب عليها الأستاذ باديس بكلمات ذهبية قيمة كان لها أعظم تأثير في نفوس السامعين، ثم ألقى السيد صالحي السعيد قصيدة مطلعها :
         على بركات الله سيروا وشمروا
                                   فهذي تباشير الصباح فبشروا .
وتلاه الشيخ السعيد العبدلاوي بخطبة ، والسيد علي بن شينون بخطبة أخرى. وانفض عقد الاجتماع والكل فرح مسرور حامد لله شاكر على ما هيأ ويسر من الأعمال الصالحة على يد رجال العمل والإخلاص .
أما أعضاء إدارة النادي فهم السادة :
 

عباس فرحات                             رئيس
مصطفاي الهادي                          نائب أول
قاسمي مصطفى                        نائب ثاني
عبد الرحمن بن الخوجة              أمين مال
الفضلي الحسين                        نائبه
علواش الحسين                       مراقب وكاتب عام
ابن سمره                              نائب الكاتب .
صالحي لخضر، وبن التهامي التهامي ، محدادي التومي ، وشن النايلي ،الأمين  العماري، فرفور خليفة ، قارة لخضر، افلاحي الحملاوي
أعضاء مستشارون.
أما رؤساء التشريف فهم : من المسلمين السيد عبد الرحمن بن بيبي ، والسيد القلي أحمد ، ومن الأوروبيين السيد الجنرال والسيد السوبريفي ، والسيد شيخ المدينة .
وختم مراسل البصائر مراسلته بالدعاء التالي : حقق الله آمال هذه الجمعية وأنجح أعمالها ،وهدانا الله وإياها إلى ما فيه الصلاح والإصلاح الحقيقي والنفع العام .
ملاحظة :  لم يكتب المراسل الذي نقل وقائع افتتاح نادي الإرشاد اسمه لا في أول المراسلة ولا في آخرها ، ولو عرفنا اسمه لكانت الفائدة أتم وأعم .  





مكتب الحركة الوطنية "حزب الشعب"وناديها.
 

مكتب الحركة الوطنية وقد أشير إليه بسهم أحمر.

هذه صورة مكتب الحركة الوطنية " حزب الشعب" بناء على شهادة المجاهد" سي العمري تهامي" الذي توفي منذ سنوات رحمه الله .كنت سألته عن الأماكن التي كانت  الحركة الوطنية تنشط من خلالها وتعقد فيها اجتماعاتها ومهرجاناتها.
فدلني أولا على هذه البناية التي تقع في شارع الجمهورية يقابلها من الشمال المسرح بينهما الطر يق وتلتصق بها من جهة الشرق صيدلية
السماتي التي كانت  تدعى صيدلية "بولحناش" وقد ضمها اليوم أولاد الشيخ الحسين كراغل فأصبحت جزءا من مغازتهم .
قال لي الشيخ العمري تهامي: هنا كان مكتب الحركة الوطنية وأشار إلى الطابق الأول من البناية ذات اللون الأصفر في الصورة المشار إليها بسهم أحمر.والمكتب اليوم مغلق وتحته مخبزة
أما  موقع نادي الحركة الوطنية  فكان في شارع حفاظ شكري بالقرب من "عين الدروج"والمحل اليوم يشغل مطعما ملاصقا للفندق من جهة الشمال
كان هذا المحل قبل الثورة محطة لقاء مناضلي الحركة الوطنية بقادتهم من أمثال المناضل الكبير والزعيم الوطني محمد بوضياف الذي حسب شهادة أحد شهود تلك الفترة كان من أحب القادة إلى المواطنين لأنه كان يخاطبهم باللغة العربية المطعمة بالدارجة الجزائرية .
 إن هذه الأماكن الثلاثة إذا أضفنا إليها الموقع الذي سقط فيه سعال بوزيد شهيدا يوم الثامن من ماي سنة 1945 وأضفنا إليها مسجد أبي ذر الغفاري " مسجد المحطة" الذي انطلقت منه مظاهرات الثامن من ماي 1945 . ولا شك أن هناك أماكن أخرى سقط فيها شهداء أو وقعت فيها أحداث عظام .
فمثل هذه الأماكن سواء في مدينة سطيف أو في غيرها من المدن والقرى وحتى الجبال أو الوديان أو السهول أو الصحارى ليست مجرد أماكن عابرة بل هي تاريخ مفعم بالحياة والتوهج والروح الوطنية والذكرى والتذكر والأحاسيس والمشاعر ، إنها تحمل بين حجارة جدرانها وحيطانها وحبات ترابها عبق ذلك الجيل من الرجال الذين كانت لهم مواقف وكانت لهم رؤى وأفكار، وكانت لهم أدوار،إنهم الجيل الذي قاد حركة التحرر وصنع الثورة . إن مثل هذه الأماكن تغدو وتستمر حية إذا استطعنا أن نخرجها من حيز المتاحف والسجلات والنصب المقامة تخليدا لها إلى حياة الناس إلى اهتمام الأجيال من خلال المسرح والأغنية والصورة الفنية ، تمنيت لو أن لو طلبتنا ثانوياتنا وتلاميذ مدارسنا يُعَوَّدون على إقامة حفلاتهم الخاصة بهم في هذه الأماكن ومثيلاتها بحيث تعطى لهم الحرية الكاملة في إبراز إبداعاتهم في الموسيقى والشعر والغناء ورسم اللوحات الفنية .وإلقاء الحكايات والقصص الشعبية وما إلى ذلك .
وأؤكد على إعطاء كامل الحرية للطلبة والتلاميذ في النشاطات التي يقدمونها وبالطريقة التي يريدونها .
كم تفتقد مدننا وقرانا إلى مثل هذه النشاطات الثقافية والفنية التلقائية التي لا تحتاج إلى بروتوكولات ولا رسميات ولا مناسبات؟.
إلى متى تظل أحياؤنا وساحاتنا وحدائقنا خالية من اللمسات الجمالية من الكلمة المعبرة من النغمة الموسيقية من الحكاية الهادفة والقصة الشعبية والنادرة. خالية من شاعر يلقي قصيدة في ساحة أو مقهي. خالية من عازف يعزف على قثارته من كاتب يقرأ فصولا من كتابه الجديد أو يقدم له ملخصا ،أين" قوال" الأسواق الشعبية يحكي قصة النبي إبراهيم أو قصة يوسف مع إخوته على أنات نايه  أو الضرب على بنديره .
وأين المقهى الثقافي؟ وأين ؟ وأين ؟
بهذا تتحرك الثقافة في أوساط الجماهير،في تكامل مع المؤسسات التربية والتعليمية والثقافية ؛ تعطيهم وتأخذ منهم، تتفاعل معهم ،ترتقي بأذواقهم وأحاسيسهم،تستكشف معهم بواطن القوة والضعف في النفس الإنسانية وفي المجتمعات ، تطلعهم على كنوز تاريخهم وثقافتهم وتجارب الأمم والشعوب والحضارات الإنسانية ،وتستشرفهم معهم آفاق المستقبل . 
   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق