الجمعة، 17 أبريل 2015

العقل ذلك الروح الإلهي فينا / فكيف نحرره من حجب الماضي واستلاب الحاضر؟


العقل ذلك الروح الإلهي فينا:
فكيف نحرره من حجب الماضي واستلاب الحاضر؟
 
 
 
          قال الله تعالى : وبدأ خلق الإنسان من طين .ثم جعل نسله من سلالة ماء مهين.ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والابصار والافئدة قليلا ما تشكرون . ( السجدة 9،8،7) خلق الله الإنسان قبضة من طين ونفخ فيه من روحه ، وهذا الروح الإلهي الذي دخل في تكوين الإنسان ما هو إلا هذا العقل الذي أودع في كل واحد منا. عقل  يتحرك لعقلن الحياة في كل مكوناتها وعناصرها من خلال عملية نمو وإبداع متواصلة،عقل ينفذ إلى عمق الحياة عمق أسرارها ومكنوناتها وآياتها بالعلم والبحث والاستكشاف. في حديث العقل المروي عن الله تعالى أي ما يسمى بالحديث القدسي والذي - مع الأسف- تعتبره مدارس الحديث حديثا موضوعا أو ضعيفا وأعتقد أنه لو كانت السيادة للعقل على النقل خاصة في حياتنا الفكرية والعلمية لجعل هذا الحديث أول حديث يحفظه المسلمون ويتعاملون مع الحياة من خلاله قبل أحاديث أركان الإيمان والإسلام . كما كان ينبغي عليهم أن يحفظوا أول آية نزلت على محمد صلى الله عليه وسلم ،وأعني بها قوله تعالى "اقرأ باسم ربك الذي خلق " لتكون القراءة والمعرفة مفتاح الإيمان والإسلام، ويكون العقل مفتاحا لعقلنة الحياة بكل مكنوناتها وبكل ما فيها . "أن الله تعالى لما خلق العقل ، قال له: أقبل. ثم قال له :أدبر. ثم قال الله تعالى : وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أعز علي منك ،إياك آمر وإياك أنهي وبك آمر، وبك أثيب وبك أعاقب ." ومعنى هذا أن الله تعالى قال للعقل :أيها العقل ، أقبل إلي ، انفتح علي، أنظر إلى سمواتي وكيف بنيتها تأمل آفاقي في الحياة، في الكون ، وفي نفسك وفي كل ما يحيط بك لأمكنك من مواقع القدرة ومن خزائن العلم وكنوز المعرفة عندي، وآتيك من فيوضات الرحمة لدي . أقبل إلي واقترب لأعطيك الطهر والنقاء والصفاء والكمال لتستطيع أن تغوص في أعماق الأشياء وتكتشف الحقيقة، وتقبض على عناصرها.
وتحرك العقل إلي ربه وأقبل إليه ليستوحي منه ويستلهم كل ما يغني قواه ومدركاته في اكتشاف الحياة والكون ليعرف كيف يعقلن الكون وكيف يدير "مسؤولياته :" سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبن لهم أنه ."الحق. 53 فصلت "." أفلم يسيروا فتكون لهم قلوب يعقلون بها."الحج46 ". وهكذا، أقبل العقل إلى ربه ليتعرف أولا على ربه ليتعرف على سر الوجود الكامن في المعرفة بالله التي هي أصل المعارف كلها الممتدة والمبثوثة في كل ما خلق الله وكل ما أبدعه في الآفاق وفي الأنفس. " ثم قال له أدبر فأدبر " أي تحرك أيها العقل تحرك وامش أمامي وبمعيتي لأعرف وأنا أعرف بك كيف تقف على قدميك ،وكيف تتوازن خطواتك ؟ وكيف تخطط وتقوم بمسؤوليتك ؟ هنا وقد أعطى الله تعالى معنى العقل للعقل أي أصبح الإنسان يعرف أن له عقلا يميزه عن الموجودات الأخرى أراد الله تعالى للإنسان وعبر التجربة والممارسة والخطأ والصواب والاستكشاف لإمكاناته وقدراته في التمكين لنفسه من خلال عملية إخضاع ما حوله من موجودات لتلبية حاجاته المختلفة أراد له أن يدرك عظمته وأن يدرك مسؤولياته الكونية والحياتية. " وعزتي وجلالي ما خلفت خلقا أعز عليك منك"أنه العقل سر كل عظمة الخلق  هو القيمة التي تعطى للإنسان قيمته وإنسانيته ، فالإنسان عقل قبل أن يكون جسدا  بل إن العقل هو الذي استطاع أن يرتفع بالجسد من الحيوانية إلى الآدمية. ( ولقد كرمنا بني آدم ) بماذا؟ أليس بالعقل( وحملناهم في البر والبحر) بماذا ؟ أليس بالعقل.(ورزقناهم من الطبيات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا .70 الإسراء. ) بماذا ؟ أليس بالعقل الذي اكتشف الزراعة وركوب البحر والجو وشق السماء .نعم هاهو اليوم يشق السماء ويرسل المرسلات عرفا ليستطلع عوالم الكواكب الأخرى ليمكن لنفسه فيها .حتى الأنبياء سر عظمتهم أن عقولهم ارتفعت إلى مستوى من العقل الكامل فكان الرسول عقلا وقيمته في عقلانيته قبل أن يكون نبوة ولهذا ذهب صاحب الذخيرة أحد السادة المالكية :" أن الله تعالى أعطى لمحمد صلى الله عليه وسلم من فضل العقل ما لم يعطه من فضل النبوة .وتعد بعض المذاهب الفكرية الإسلامية " أن الرسول عقل من خارج ،والعقل رسول من داخل "هذا التكامل بين العقل والرسول يجعل الرسالة عقلا، ولذلك فإن الرسالة لا يمكن أن تلتقي بالخرافة ، أو التخلف، أو الجهل ، أو الوهم  ، بل إن الرسالة تتنزل لتفتح للعقل أن يغير العالم على طريقته .( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم .)  يحييكم بالعقل .                                                                   
 ثم أنظر إلى هذا العالم منذ بدإ الخليقة وإلى اليوم من المتكلم فيه ؟ومن المتحرك فيه ؟ومن أحدث فيه كل هذه الحضارات والإنجازات من نور هذا الكون ؟ أليس هو العقل الإنساني " الله نور السموات والأرض " قال أبي حامد الغزالي هو نور العقل .( أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس ) هو العقل.
 وقالها الله:" إياك آمر وإياك انهى ، وبك أثيب وبك أعاقب" عندما يقوم الناس لرب العالمين وتأتي كل نفس تجادل عن نفسها، وينادي المنادي" وقفوهم إنهم مسئولون " من يقف يجادل عن صاحبه ؟ يقف العقل طبعا  وتتحرك كل العقول أمام الله تعالى لتقدم حساباتها . لتتميز العقول التي استطاعت أن تعقلن مسيرتها في الحياة ، وتعقلن مسئولياتها وأعمالها وعلاقاتها من العقول التي سارت في خطوط  الخرافة والجهل والتخلف التي لا تلتقي أبدا بحسابات الفكر والإبداع والتخطيط والنظام .                                       
"وبك أثيب وبك أعاقب " إن قيمة الإنسان من خلال حجم عقله وحركية عقله وأداء عقله، لأن الله تعالى ينظر إلى الإنسان من خلال عقله ، لأنه يريد منه أن يعقلن تفكيره ويعقل أعماله ويعقل أحاسيسه وما توسوس به نفسه . ويعقلن ما يسمع وما يرى وما يتكلم ، ويعقلن عمله وسياسته ومستقبله وكل حركته في كل مواقعها .فلا حركية فاعلة بدون عقل وبذلك وحده يحقق إنسانيته التي خلقها الله في أحسن تقويم .                          
إذا نحن في حاجة إلى أن نعقلن كل شيء في حياتنا أن نعقلن منطلقات أفكارنا ومفاهيمنا ونعقلن رؤانا وتصوراتنا كما علينا أن نعقلن إقتصادنا وسياستنا ونظمنا المختلفة في التربية والتعليم والثقافة .حتى طريقة أكلنا وشربنا وولائمنا وأعيادنا وغرائزنا علينا أن نعمل فيها العقل إلى أقصى الحدود في روايات عن النبي صلى الله عليه وسلم متعددة أن إعمال العقل هو الفيصل في تقييم الأعمال في الدنيا والآخرة " ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت ". ويثنون أمامه صلى الله عليه وسلم على رجل ويبالغون في الثناء فيقول لهم : وكيف عقله ؟ فيقولون :نخبرك عن اجتهاده في العبادة وأصناف الخير ،وتسألنا عن عقله ؟فيقول إن الأحمق يصيب بجهله أكثر من فجور الفاجر، وإنما يرتفع العباد غدا في الدرجات الزلفى من ربهم على قدر عقولهم . 
 وفي حديث آخر للنبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه أن "عماد المرء عقله ومن لا عقل لا دين له " ومعنى هذا ببساطة شديدة أن العقل حكم على الدين فهو الذي يفسر معانيه ويجلي حقائقه وأبعاده ويعطي دلالاته وهو الذي يبين قيمه العليا وثوابته التي تعلو على الزمن ليفصلها عما هو تاريخي من تفسيرات وتأويلات تجاوزها الزمن في عصرنا هذا بينما العالم يتحدث عن الإنسان وحقوق الإنسان ويفرغ جهده في البحث عن الوسائل التي ترتقي بالإنسان فكريا وروحيا ونفسيا وصحيا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا وعلميا ،نحن مازلنا نغوص في البحث عن إيمان الناس وعباداتهم فنصنفهم إلى كفار ومؤمنين ومنافقين وزادقة وموحدين ، ومذاهب وفرق شيعية وسنية .وما إلى ذلك من بدع تصنيف الناس على أساس الإيمان والدين والمذهب . ماذا حصدت الشعوب العربية من مثل هذه التصنيفات غير هذا القتل والذبح وسبي النساء .  بعض الناس يقول إن النجاة كل النجاة  في التقليد والإتباع، والهلاك كل الهلاك في الابتداع ،ويعمم هذه المقولة على كل مجالات الحياة الفكرية والعملية . قد يكون هذا صحيحا في مجالات العقائد والعبادات وبعض الأحكام الأسرية والحلال والحرام ولكن في مجالات الفكر والثقافة والإبداع والفنون،وفي مجالات العمل والتطور وفي  مجالات السياسة والاقتصادي وفي البحث العلمي فليس هناك قوالب جاهزة ولا نماذج للتقليد والإتباع ولا منظومات فكرية نهائية . وإنما هناك طريق ممتد نحو المستقبل طريق تسير فيه كل دول العالم وكل أممه وشعوبه إنه طريق الإنسانية الذي انطلقت فيه منذ بداية الخليقة وانتقلت فيه من مرحلة التوحش والبدائية  إلى الأنسنة ومن مرحلة  الأوثان إلى حضارة التوحيد ومن العصر الحجري إلي اكتشاف النار والزراعة وركوب البحر وصولا إلى عصر الطائرة  والصاروخ وغزو الفضاء . واليوم هاهي البشرية تخطو خطواتها العملاقة نحو حضارة جديدة حضارة النانو تكنولوجيا ، حضارة مالا عين رأت ولا أذن سمعت و خطر على قلب بشر .  
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق