الجمعة، 17 أبريل 2015

الشيخ سيدي الطاهر بن محمد حمادوش

 علماء وشيوخ من زاوية ڤجال


 

الشيخ سيدي الطاهر بن محمد حمادوش

 


 


* شيخ الزاوية ورجل الإصلاح :


 الشيخ سيدي الطاهر بن سيدي محمد (رحمه الله ) كان وحيد والده من الذكور . تربى على يد أبيه صغيرا ، وحفظ القرآن وأخذ مبادئ العلوم في زاويتهم ، ثم انتقل إلى زاوية الشيخ محمد الحداد فأخذ عن شيوخها ، ومنها شد الرحال إلى مستغانم التي كان له فيها أقارب وأبناء عمومة فقضى فيها عدة سنوات متتلمذا على شيوخ زواياها . لقد كانت تلك عادة بيوتات القرآن والعلم والولاية يرسلون أبناءهم بعيدا عن الموطن من أجل التحصيل العلمي وتعويدهم علي السعي والترحال وتمكينهم من الاتصال بغيرهم والتعرف على من ليس من بيئتهم لصقل تجربتهم وإثراء معلوماتهم ومعالجة نقائصهم واستكمال شخصيتهم  المعنوية والسلوكية تأهيلا لهم لأداء دورهم الرسالي المستقبلي في التعليم والتوجيه .

عاش الشيخ سيدي الطاهر ظروف ما قبل الاحتلال الفرنسي للجزائر على نهج آبائه وأجداده في الإشراف على الزاوية تعليما وتسيرا ، وفي القيام بدوره الاجتماعي المتمثل في قضاء حاجات الناس وتوثيق عقودهم وإ صلاح ذات بينهم .

كان للشيخ سيدي الطاهر مجلس خاص يتكون من أعيان المنطقة ، وشيوخ العلم ، وطلبة الزاوية ، يجتمع دوريا وكلما دعت الضرورة للفصل في منازعة أو إصلاح ذات البين أو عقد نكاح أو  عقد هبة .. الخ  وقد ذكر في إحدى وثائقه أعضاء هذا المجلس وهم :

سيدي أحمد السخري البنشا - وسيدي محمد منه - وسيدي بلقاسم الزايدي - وسيدي سليمان الزايدي- وسيدي محمد الطاهر بن الصيد- وسي محمد الصيد - وسي احمدان ولد سي محمد بن الحاج الذويب - وسي محمد السعيد بن سي محمد بن احمدان - وسيدي أحمد المعاوي - وسيدي محمد بن عمر بن اسباع - وسيدي محمد المعمري بن المبارك بن عباس - وسيدي بلقاسم منه  .(16)
 

الشيخ الطاهر رجل الجهاد والمقاومة :
 
كما عاش الشيخ الطاهر أيضا ظروف الاحتلال الفرنسي ، وما تبعه من ممارسات تعسفية خبيثة حاقدة ضد كل مقومات الشعب الجزائري الدينية والثقافية والاجتماعية ، فكان أول مكره أن توجه إلى الزوايا لتجريدها من أوقافها التي تمثل بالنسبة إليها عصب الحياة  ومدد البقاء .                     
كان لزاوية قجال أوقاف كثيرة  نزعتها الإدارة الفرنسية من أصحابها الشرعيين رغم أنها أملاك وقفية لا يجوز المساس بها في كل القوانين والشرائع والأعراف البشرية ولكن فرنسا كانت تعتبر الجزائر غابة وحوش بشرية يجب أن تحكم بقانون الغاب . ثم إن هذه الزوايا والجوامع والكتاتيب التي تسير بأموال الوقف هي التي ترفع عن الأمة غوائل الجهل وغشاوات الكفر، وهي التي تمدها بمقومات شخصيتها وعناصر هويتها وفيها يتكون رجال الأمة، ومنها يتخرج علماؤها ،و ينطلق قادة الجهاد وجنود الوغى . فهل ترضى فرنسا على هذه الزوايا والجوامع وتتركها لحالها وهي التي تعلن أن الجزائر  جزء من فرنسا وتستبطن من وراء كل مخططاتها ومشاريعها و ممارساتها في أرض الواقع طمس كل معالم الوجود العربي الإسلامي في الجزائر ؟ .                                               
لقد كتب للشيخ الطاهر حمادوش أن يعيش كل هذه الأحداث المأسوية لزاوية الأباء والأجداد ؛ وهي تسلب وتنهب و تجرد من أراضيها كأغلب زوايا الوطن أمام عينه ، فكيف يهنأ له بال أو ترتاح له نفس أو يطيب له عيش ؟ لقد كان ذلك مما أوقد في نفسه روح الجهاد والمقاومة ، لرد كيد هذا العدو اللدود ، الذي لم يكتف باحتلال الأرض ونهب خيرات البلاد وإنما يريد إبادة أهلها واقتلاع جذورهم منها نهائيا كما فعل سابقوهم الأوروبيون المهاجرون إلى أمريكا بسكانها الأصليين .
 
روى لي الشيخ سيدي عبد الرحمن ، عن أبيه الشيخ سيدي الطيب ،عن أبيه الشيخ سيدي الصديق رحمهم الله جميعا ،أن الشيخ سيدي الطاهر شارك في الجهاد ضد فرنسا وقد أصيبت رجله  أثناء معركة مع العدو قرب الجزائر العاصمة  ، وكانت جروحه دامية فعجز عن السير وبقي هناك بلا إسعاف حتى تعفن جرحه، وأصابه الدود ، ولكن  العناية الإلهية أنقذته ؛ حيث عثر عليه أحد رفاق السلاح الناجين فقدم له الإسعافات اللازمة، وأودعه عند أحد سكان المنطقة  فلما برئ جرحه وعادت إليه عافيته ، رجع إلى بيته بقجال .
 
ظل الشيخ الطاهر بعد ذلك في بيته بقجال مختفيا عن أنظار  الاستعمار وأعوانه وجواسيسه وفي رواية عن سيدي عبد العزيز رحمه الله عن أجداده أيضا أن الشيخ الطاهر عندما رجع إلى بيته اتخذ لنفسه بيتا خاصا به بعيدا عن أنظار العدو وأعوانه لايخرج منه إلا في الليل أو في حالات الأمن في النهار . وبقي على تلك الحال إلى أن وافاه الأجل  ودفن بمقبرة قجال وقد سألت الشيخ سيدي عبد الرحمن ،عن المعركة التي شارك فيها الشيخ الطاهر عن اسمها ،ومكانها وتاريخها وقيادتها ؟ فلم يذكر إلا أنها وقعت قرب العاصمة .
 
إن مشاركة الشيخ الطاهر في المقاومة يمكن أن تكون بصفة إفرادية ،شأنه في ذلك شأن  كثير من  إخوان الطريقة الرحمانية الذين كانت قناعتهم بالجهاد – الذي أصبح فرض عين على كل مسلم منذ وطئت أقدام الكفار أرض الوطن – تدفعهم إلى شد الرحال إلى ميادين القتال أين ما كانت . 
(انظر كتاب  محمد المقراني لبسام العسيلي ص146) .
ومن المحتمل أن تكون مشاركته مع الشيخ محمد بالحداد في ثورة سنة 1871م . بحكم انتمائه لطريقتها وتتلمذه على يدي شيوخها.
              


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق